عندما ظهر الرئيس حسني مبارك عبر الشاشات الصغيرة وهو يقدم خطاب العرش أمام أعضاء مجلس الشعب الجديد، لاحظ الجميع كيف كان يحاول أن يتقمص شخصية الرجل والزعيم القوي القابض على (زمارة) كل مواطن مصري، مع أن الحقيقة والواقع ينفيان كل محاولاته، وأنه رسب في هذا الإمتحان رغم مذاكرته الطويلة لنجاح أدائه.
بينما كان يحاول افتعال الحركات وينثر الوعود كعادته أمام صفوف السحيجة من المنافقين والمنتفعين والمرتزقة والطفيليين من اعضاء مجلس الشعب الذين حصلوا على عضويتهم بالتزييف والنفاق وشراء الذمم، ذمم الجوعى والغلابا وحراب بصمجية الأمن المركزي، لم يتوقف تصفيق هؤلاء ربائب ثقافة المجاملات الفارغة وأصحاب الألقاب المفلسه والنظريات السمعية، هذا يذكرنا بما قاله الشاعر أحمد شوقي وهو يصف الشعب حينما كان يهتف لحكامه (في عصر كليوباترا) بعد أن أشاعوا لديه أنهم انتصروا في موقعة (أكتيوما) وكانوا قد هزموا فيها هزيمة منكرة، قال شوقي عنهم: يا له من ببغاء، عقله في أذنيه، هذا هو حال غالبية أعضاء مجلس الشعب عقولهم في أذانهم وبطونهم.
أثناء خطاب سيادة الرئيس كان لسان حال غالبية أبناء الشعب المصري وإلى جانبهم العديد من قادة دول العالم يرددون أغنية المطرب السوري 'فهد بلان' (يا شيخ شوف الشيب على الراس ملتم، تلعب معانا عيب وانت لنا عم).
نعم انه بالنسبة للرئيس اوباما وأردوغان وأحمدي نجاد وبشار الأسد وشافيز وعبد الله ملك الأردن ليس عم فقط، بل هو شيخ يقف على أبواب الخرف والعجز، لا يعي كل ما يدور حوله، لا يفكر بعقل الشعب المصري ولا يرى بعيونه، بل يفكر ويرى بعيون حاشيته وأعوانه وطبقة الدهاقنة والنبلاء الذين يدورون حوله.
انه لا يبصر حالات الفقر المدقع ولا طوابير العيش والغاز والماء والبطالة والمهاجرين من ارض الوطن، لو رأى ذلك وهو في كامل وعيه لعرف أنه هو المسؤول الأول وأنه هو الداء حينها يصبح الدواء الشافي تخليه عن العرش بعد ان سئمه هذا العرش.
نعم اللعب السياسي مع هذا الجيل من الزعماء المذكورين لا يلائم عصر سيادته، لأن مبارك إبن عصره وليس إبن عصرهم، فكرة شبه غيبي لا يعرف حقيقة ما يعاني منه الشعب المصري، لا يعرف وقع وأثر مساهمته في حصار مليون ونصف مواطن فلسطيني في قطاع غزة كي يلبي رغبة واشنطن ويدعم السياسة الاسرائيلية في محاربة حركة المقاومة الفلسطينية، انه لا يدرك أبعاد التعاون الأمني الكامل مع اسرائيل لارتكاب المزيد من الاعتداءات ضد الفلسطينيين، انه حاضر غائب، حاضر في وجوده وسلطته وغائب في ادراك مخاطر سياسته الداخلية والخارجية.
لو كان حقيقة يقدر عواقب تصريحاته لما اعلن مثلاً على الملأ بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات الصورية لاختيار أعضاء مجلس الشعب، قال بأنه يأسف لأن أحزاب المعارضة المصرية لم تحصل إلا على عدد ضئيل من أعضاء المجلس المذكور، هل هذا استخفاف بعقول أبناء أرض الكنانة ؟ هل سيادته لا يعرف الأسباب؟ انه في موقفه هذا يؤكد انه حاضر غائب، سيادته وطبقة النبلاء الذين يدورون حوله من منع وصول أعداد كافية وممثلين شرفاء لمجلس الشعب المصري، حزبة الفاسد البائد وبالتعاون مع ميلشيات الأمن المركزي هم من استخدم كل وسائل القمع والبطش ضد أحزاب المعارضة لمنعهم من ممارسة حقهم الديمقراطي في خوض معركة انتخابية نظيفة وصادقة، حكومته المتأكلة واعلامه الموجه وضعوا كل العراقيل
أمام هذه الأحزاب، ألا يكفي هذا يا سيادة الرئيس؟ من الطبيعي أن تفشل هذه الأحزاب لأن حزبك وحكومتك وبلطجيتك صادروا ارادتهم وأجبروهم على مقاطعة هذه المسرحية الرخيصة التي لا تليق بالشعب المصري العريق.
لكن قبل أن ينتهي عرس انتصار حزب مبارك ونظيف في معركة الانتخابات، جاءت الصفعة الصادرة من ذوي القربى وحلفاء النظام، جاءت من اسرائيل بعد أن اعلن في القاهرة عن اكتشاف شبكة جاسوسية معادية تابعة للموساد الاسرائيلي ، وهي الشبكة الثالثة التي يتم الاعلان عن تفكيكها خلال هذه السنة، هذا يؤكد أن مصر في ظل هذا النظام مباحه أمام الاسرائيليين، وأن الموساد حولها الى محطة ترانزيت جاسوسية ساعدته بالوصول إلى القارة الإفريقية ودول أخرى في الشرق الأوسط.
يا ترى أين الجنرال أركان حرب عمر سليمان سفير مصر فوق العادة في تل أبيب وحليف الموساد الاستراتيجي في محاربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومقاومة ما يسمى بالنفوذ الايراني؟
ان نجاح اسرائيل في زرع شبكات الجاسوسية هذه يعود الى تهاون النظام المصري في تعامله مع اسرائيل التي أخذت تعتبر مصر عمقاً استراتيجياً واقتصادياً يخدم مصالحها، كما يعود أيضاً إلى وجود سفارة الكيان الصهيوني في القاهرة والمراكز الثقافية والابحاث التابعة لها، اسرائيل تعتبر هذه السفارة دولة داخل دولة، مهمتها زرع الدمار والخراب داخل مصر، اضافةً الى اتباع سياسة الدس ونشر ثقافة الاستسلام في الشارع المصري.
المذهل أن اعلام النظام تعامل مع الكشف عن هذه الشبكة الاسرائيلية من باب رفع العتب والخجل، في حين فإن هذا الاعلام تعامل مع ما يسمى بشبكة حزب الله التي اتهمت بتقديم الدعم للمقاومة حسب المثل المصري (حرامي في مولد) بينما تعامل هذا الاعلام مع الشبكة الاسرائيلية كالتعامل مع قطة سوداء في غرفة مظلمة يسمع مواءها دون أن يراها أحد.
من ينسى حملة التحريض ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية، لقد اتهمهم اعلام مبارك بأنهم فضموا بكارة شرف مصر وكرامتها وأمنها القومي وأنهم يخططون للاستيلاء على صحراء سيناء، أما ما قامت به اسرائيل فهو لا يخرج عن نطاق المثل القائل (ضرب الحبيب زبيب).