من فعلها فى الإسكندرية ؟ الموساد (السلفى) أم الموساد (الإسرائيلى) ؟
بقلم / د. رفعت سيد أحمد
ترى من وراء هذا الإجرام الذى أراق الدماء الذكية البريئة ليلة رأس السنة الميلادية فى الإسكندرية ؟ سؤال لايزال يبحث عن إجابة ، وكل ما يتمناه كل محب لهذا الوطن ، هو ألا تكون الإجابة كما كانت دائماً ، سهلة ، وسطحية ، وبلا مصداقية ، لأن ما جرى كان من العنف ، والقوة ، والتغير النوعى فى الفعل والنتيجة (مائة وعشرون شهيداً ومصاباً) بحيث يستلزم أن تكون الإجابة ، دقيقة ، وقاطعة ، ولا تعتمد على بيانات الشجب والإدانة وأن القتلة من خارج البلاد .. وأن مصر بخير ، والأمن مستتب (وكله تمام) كالعادة !! إلخ ، وحدها ، فنحن أمام استخدام لأسلوب جديد فى العمل الإرهابى انتحارى أو (سيارة مفخخة) ، وهو أسلوب اعتاد عليه الموساد الإسرائيلى فى العديد من عملياته سواء داخل لبنان أو فلسطين ، واعتاد عليه أيضاً ما يُسمى بتنظيم القاعدة فى العراق ، وبعض الدول الإسلامية ، واستخدمه الاحتلال الأمريكى فى أفغانستان وباكستان والعراق ، وألصق التهم بالمقاومة ؛ إننا إزاء جريمة جديدة فى الأداء ودقة التوقيت (رأس السنة الميلادية) واختيار المكان (أمام كنيسة مهمة) فى مدينة مهمة أيضاً (الإسكندرية) والتى اتسمت تاريخياً بالتعايش السلمى بين الأقليات والطوائف العرقية والمذهبية ؛ لذلك تحتاج إلى
إجابة هادئة ، بعيدة عن الاستقطاب الطائفى والسياسى الحاد الذى يعيشه مجتمعنا منذ فترة ، كل ذلك يستهدف ألا تتكرر الجريمة مرة آخرى .
* ومن هنا أسجل إجابة أولية على هذه الأسئلة حول هذه الجريمة الإرهابية ، عله يفيد ، فى نطاق البحث عن الجناة الحقيقيين :
أولاً : نحسب أن تنظيم القاعدة وكل من نسب نفسه إلى الإسلام دوراً ومارس القتل ضد الأبرياء ولم يقصر جهاده على المحتل وأرسل بالتهديدات الحمقاء إلى مصر تحت دعوى نصرة المسلمات اللاتى خطفتهن الكنيسة (يقصدون وفاء قسطنطين) و(كاميليا شحاتة) ، وأباحوا لأنفسهم تفجير كنائس فى بغداد وأحلوا دم المسلمين الشيعة من غير المتعاونين مع الاحتلال ، هذا التنظيم وخلاياه النائمة فى مصر هو المتهم الأول فى هذه الجريمة ، هذا التنظيم ما كان له يصل إلى كنيسة القديسين بالأسكندرية ويجهز انتحارى أو سيارة مفخخة وبهذه القدرة التدميرية (التى أودت بحياة 23 شهيداً وإصابة قرابة الـ 100 مصاب) ، إلا بمعاونة لوجستية من قوى داخل البلاد ، وهذه القوى هى القوى السلفية المتشددة التى نمت وازدهرت ، وترعرت برعاية من بعض الأجهزة الأمنية فى الدولة ، فى اطار مكايدة للقوى السياسية العلمانية أو لحركة الإخوان المسلمين ، وهذه القوى السلفية لمن لا يعلم انطلقت دعوتها المتشددة والمتخلفة تلك من مدينة الاسكندرية ، وهى تسيطر الآن على قرابة الـ (9 آلاف مسجد على مستوى مصر) ولديها جيش جرار من الشباب الجاهز للانتحار باسم الإسلام، جيش جاهز ليتحول إلى (الموساد) فعلاً وسلوكاً ، جيش تموله دولة نفطية معروفة ، كل مهمة سفيرها فى القاهرة أن يرعى الفكر المتطرف ويقدم تقارير للأمن لكى يطاردوا كل من ينتقد دولته ونظام الكفيل العبودى بها ، دولة قدمت لهذا التيار المتشدد فى مصر خلال الـ 25 عاماً الماضية قرابة الـ46 مليار دولار دعماً وتنشيطاً لخلاياه وأفكاره المتشددة التى لا علاقة لها بصحيح الدين، هذه القوى ، أصبحت اليوم وبعد إغلاق بعض فضائياتها المتطرفة ، طابوراً خامساً ، وخلايا نائمة يسهل توظيفها فى مثل هذه الجريمة ، لذلك ينبغى البحث بجدية ، أمنياً وسياسياً ودعوياً وثقافياً عن الدور الخفى لهذه القوى فى جريمة الإسكندرية ، إنها بمثابة (موساد) سلفى يتحرك (موساد) اعتقل المجال الاجتماعى للوطن بعاداته وطقوسه البدوية المنافية لروح وصحيح الإسلام ويريد – بمثل هذه العملية الإرهابية – اعتقال المجال السياسى وإشعال الفتن فى كامل الوطن واستبداله بوطن آخر لا وجود فيه إلا لمن هم على شاكلتهم من الغلاة وأصحاب فقه البداوة الذين سبق وأن وصفهم العلامة الراحل الشيخ محمد الغزالى بقوله (كأن هؤلاء يقدمون ديناً آخر غير دين الإسلام الذى نعرفه) !! .
*******
الموساد الإسرائيلى
وثانياً : من المؤكد أن المستفيد الأول من تمزيق مصر إلى طوائف ، متصارعة ، وإلى إشغالها بمشكلاتها الداخلية وعدم الالتفات إلى دورها القومى ومسئولياتها العربية التى فى طليعتها مواجهة العدو الصهيونى ، لاشك أن المخابرات الأمريكية (CIA) وإسرائيل وهما المستفيد الأول من مثل هذه الأحداث ، فتاريخهما ، وكل الدراسات الصادرة عنهما بما فيها أحدث الدراسات التى أصدرها (مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط) – والتى سبق الإشارة إليها فى هذه الصحيفة قبل أيام مضت - أحد أهم وأبرز مراكز المخابرات الإسرائيلية تتناول تمزيق مصر (وباقى الدول العربية) طائفياً ومذهبياً وهنا علينا أن نتأمل المعلومات المهمة التى قدمتها دراسة مهمة نشرها الصديق والزميل الأستاذ (سيد أمين) قبل شهور عن العنف والإرهاب الذى يرتكبه الاحتلال الأمريكى فى العراق وكيف أنه كان يلصق هذه الأعمال بوهم اسمه (دولة العراق الإسلامية) إلى حد إسقاط منشورات من الطائرات الأمريكية على المناطق السنية بالعراق باسم (دولة العراق الإسلامية) ، وكيف لعب الموساد دوراً خطيراً فى تدمير العراق ، وفى اختراق واختراع تنظيمات إسلامية ، أو تنسب نفسها زوراً للإسلام ، وفى المقال تحليل مهم لكتاب " وكلاء الرعب فى الإسلام " كشف فيه البروفيسور " جوزيف مسعد " المدرس بجامعة كولومبيا عن العديد من تفاصيل تعمد بعض الشخصيات الذين وصفهم (بوكلاء الإساءة للإسلام) نسج الحكايات وبث الأفلام التى من شأنها تحقيق هذا الغرض مؤكداً علاقة هؤلاء الأشخاص بالصهيونية .
وممن كشف " مسعد " عن شخصيتهم شخص يدعى " ستيفن ايميرسون " وهو ينحدر من عائلة يهودية بنيويورك وقال انه رجل استمر طيلة عقدين من الزمان ينسج الأباطيل ضد المسلمين محاولاً إظهارهم بمظهر الإرهابيين .
وقال إن " ايميرسون " قدم عام 1993 للإعلام الأمريكى فيلماً وثائقياً أسماه " الجهاد فى أمريكا " حرض فيه بشدة ضد المسلمين حتى سقط العديدين منهم قتلى فى هجمات عنصرية، بل وراح وبعد تفجيرات " أوكلاهوما " بدقائق يظهر على شاشات التلفزة الأمريكية ليخبر الجميع أنه حذر من هجمات للإرهابيين المسلمين من قبل ، ولم يكترث أحد ، حتى حدثت هذه الجريمة التى كان يعلم بكل تفاصيلها ، واكتسب شعبية كبرى لم يمحها إثبات تورط أمريكيين اثنين من غير المسلمين وراء تلك التفجيرات ، وفى 1998 نشرت كبريات الصحف الأمريكية ما قالت أنها معلومات يقينية عن نية باكستان ضرب الهند بالقنابل النووية وراحت تقدم رجلاً قالت انه عالم نووى باكستانى يدعى " افتخار خان " ووصفته بأنه مصر تلك المعلومات إلا أنه فى لقاء مع علماء ذرة أمريكيين انكشف أمر " افتخار خان " حيث اتضح أنه يجيد الكذب ولا علاقة له بالذرة وما هو إلا لاجىء يضمر العداء لإسلام أباد وقد قدمه للإعلام الأمريكى "ايميرسون " ذاته .
ومن أكاذيب " " ايميرسون " أنه ادعى فى شهادته أمام لجنة فرعية من لجان الكونجرس الأمريكى بأنه تلقى تهديداً من إرهابيين مسلمين بالقتل وراحت الاستخبارات الأمريكية تحقق فى الأمر بجدية فاكتشفت زيفه كالعادة .
وذاع صيت " ايميرسون " وبدأت لحبكته المتقنة فى الكذب تلقى اندهاشاً من أوساط الإعلاميين الأمريكيين الذين رأوا أنه بكذبه قد نبههم إلى خطر محتمل حقيقى ، وقامت جيروزاليم بوست الصهيونية تكشف عن علاقة " ايميرسون " بالموساد الصهيونى .
*****
ريتا الصهيونية ودورها المشبوه
وتأتى بعد" ايميرسون " شخصية أخرى أشد اتقاناً للكذب وتدعى " ريتا كاتز " وهى يهودية تنتمى للبصرة العراقية وقد أعدم والدها مع 14 شخصاً آخرين بينهم 9 يهود فيما برىء 7 يهود آخرين بتهمة التجسس لحساب الكيان الصهيونى وذلك فى 27 يناير 1996 وهربت وعائلتها إلى إيران ومنه إلى أمريكا .
ارتبطت ريتا بعلاقة وطيدة مع " ايميرسون " فيما كانت تعمل فى مركز يدعى " مركز الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط " ويرمز له اختصاراً بـ " ميمورى " وهو مركز يقول إن من أهدافه مراقبة الإعلام فى الشرق الأوسط ويرأسه شخص يدعى " ايجال كرمون " وهو ضابط استخبارات إسرائيلى تربطه علاقة وطيدة بديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش .
والمدهش أن " ميمورى " افتتحت فرعاً لها فى شارع " أبو نواس " ببغداد مع قدوم الاحتلال إليه رغم خطورة الأوضاع ، الأمر الذى يتنافى مع مهمة مراقبة الإعلام فى بلد لم يكن تعمل فيه أجهزة الإعلام بسبب الحرب ! .
والسبب فى خطورة " ريتا كاتز " والتى افتتحت مركزاً مستقلاً لها أسمته " S.L.T.E " أو "سايت انتيلجانس جروب " انها كانت تتقن التزييف وترتبط بثقافة الإسلام لكونها فتاة بصراوية وينسب إليها إنشاء تنظيم " دولة العراق الإسلامية " على الشبكة العنكبوتية والذى أرسل تهديداً للكنائس المصرية ، والذى أعلن مسئوليته بالمناسبة عن العمل الإرهابى الأخير فى الإسكندرية!! والتى تلقفت وسائل الإعلام أخباره دون تمحيص حتى صار حقيقة لا تقبل الشك عند بعض الناس رغم أن الـ "الأى بى " الخاص بشركة " ميمورى " لمراقبة الإعلام الذى كانت ترسل منه بيانات دولة العراق الإسلامية الوهمية تلك !! هو ذاته " الأى بى " الخاص بشركة ميمورى لمراقبة الإعلام !! . وقد كانت من أكثر فضائحها أنها قامت ببث شريط أسامة بن لادن قبل أن يبثه موقع القاعدة نفسه .
وكتب " جوبى إريك " الصحفى فى الواشنطن بوست الأمريكية فى 10 أكتوبر 2007 مؤكداً أن التسجيل الذى نسب إلى زعيم تنظيم القاعدة فى اليوم السابع من شهر سبتمبر 2007 وحث فيه الأمريكيين على اعتناق الإسلام متنبأ بفشل الحرب على العراق وأفغانستان هو تسجيل صادر من " سايت انتيلجانس جروب " لمؤسسته " ريتا كاتز " .
إذن (الموساد) الإسرائيلى ، ووكلاءه ممن ينتسبون زوراً للإسلام كانوا خلف العديد من العمليات الإرهابية فى العراق ، ومن الجائز – إن لم يكن من المؤكد – أنهم خلف ما جرى فى الإسكندرية ، وقدرات وحيل الموساد تاريخياً تؤكد ذلك .
*****
إذن نحن أمام جهتين ، متهمتين بارتكاب هذه الجريمة ، ونحسب أنها لن تخرج عنهما ، إما الموساد (السلفى) وخلاياه النائمة واليقظة فى مصر وخارجها أو الموساد (الإسرائيلى) ، بأدواره ومؤامراته الممتدة والدائمة ضد مصر ، وفى علم الجريمة يقول قانونه المعروف (ابحث عن المستفيد لتكتشف الفاعل) ، ونحسب أن المستفيد الأول من هذه الجريمة هو هذا الموساد بشقيه البدوى السلفى المتخلف ، والصهيونى المتطرف ، ولا ثالث لهما ؛ وإذا أردنا عدم تكرار الجريمة ، وألا تحدث فى المستقبل القريب (أعياد الميلاد المصرية فى 7 يناير الحالى) أو البعيد ، فلنواجه القتلة هؤلاء باستراتيجية جديدة ، استراتيجية تستخدم الوسائل والأدوات الثقافية والسياسية والدعوية والاجتماعية قبل استخدام المعالجات الأمنية القاصرة ، هنا فقط تكون نقطة المواجهة الجادة ، وقى الله مصر من دعاة الفتنة ، ولعن مشعولوها ، والعزاء لشهداء كنيسة القديسين ، شهداء مصر كلها .