يبدو ان التدخل في شئون الدول والكيل بمكيالين أصبح عدوي أصابت الغرب حتي انه لم يعد يقتصر علي الحكومات والسياسيين فقط بل وصل أيضاً إلي رجال الدين المفترض فيهم الحكمة والعدالة والتسامح انطلاقاً من انهم يتحدثون ويتحركون ويحكمون بالكتاب المقدس.
فما بالك لو ان هذه العدوي طالت رأس الكنيسة الكاثوليكية.. بابا الفاتيكان نفسه؟
* * *
عقب التفجير الإرهابي أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية في اللحظات الأولي من بداية العام الجديد والذي أدي إلي سقوط العشرات بين شهيد ومصاب.. خرج علينا بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر بدعوة يطالب فيها بحماية أقباط مصر وعدم التسامح فيما حدث !!
الدعوة غريبة ومرفوضة شكلاً وموضوعاً.. وهي في الأول والآخر تدين بابا الفاتيكان ولا تجعل منه بطلاً قومياً.. بل تكشف أغراضه.
* * *
غرابة الدعوة تكمن في ان بابا الفاتيكان المفروض أنه رجل دين بل ورأس كنيسة.. وبالتالي يجب ان يكون كلامه محسوباً وموزوناً.. وليته ينظر إلي البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ويتعلم منه.
كما يجب علي بابا الفاتيكان ان يكون هو شخصياً عالماً بطبائع الشعوب وديموجرافيتها.. لكنه للأسف أثبت بالدليل القاطع أنه لا يعرف شيئاً عن الشعب المصري ونسيجه.
هل اعتقد ان الأقباط في مصر يعيشون في كامبات منعزلة عن اخوانهم المسلمين وان المسلمين يذيقونهم العذاب والذل والهوان ليل نهار؟
يا قداسة البابا.. ليس في مصر أسياد وعبيد. وليس فيها دول داخل الدولة.. شعب مصر نسيج واحد بمسلميه وأقباطه يعيشون ويتعايشون معاً في البيوت والشوارع وأماكن العمل والتعليم والترفيه.. انهم أهل وأحبة وأصدقاء.. قد تحدث مشاكل وهذا وارد مثلما تحدث بين القبطي والقبطي أو بين المسلم والمسلم.. كما ان طلبات الأقباط ليست مستحيلة التحقيق.. بل يمكن تحقيقها وسوف تتحقق ان عاجلاً أو آجلاً.
* * *
ورفض الدعوة ينبع من انها تدخل سافر في الشأن الداخلي لمصر وتحريض علي الدولة.
هذا التدخل المرفوض أصبح للأسف سمة من سمات الغرب وعدوي وبائية في الشارع الغربي ورءوس الحكم والحكومات.. واليوم تزحف إلي المعاقل الدينية كالفاتيكان.
مصر ليست قاصراً حتي يعلمها بابا الفاتيكان أو ينتقدها ويتهمها بالتقصير في حماية الأقباط وبالتعنت معهم ويطالب بعدم التسامح مع مصر!!!
الأقباط جزء منا ونحن جزء منهم.. فهل نقصر أو نتعنت مع أنفسنا؟
* * *
وإدانة البابا هنا واجبة.. إذ أنه وصف نفسه بعدم العدالة والكيل بأكثر من مكيال رغم أنه رجل دين والمفترض فيه ان يكون عادلاً.
بابا الفاتيكان يتعامل بنظرة غير متساوية للمسلمين والأقباط.. فهو لم يحرك ساكنا أمام الجرائم التي ارتكبت في كل أنحاء العالم ضد المسلمين من قتل واغتصاب وتعذيب واضطهاد وازدراء.. للأسف.. لقد سكت دهراً. وعندما تكلم نطق كفراً!
أين موقفه كرجل دين من مجازر التطهير العرقي في البوسنة والهرسك.. فهو لم يكن وقتها البابا؟
أين رأيه الجرئ من الانتهاكات التي تعرض لها المسلمون في الشيشان؟
أين دعواه بسبب ما حدث من قتل واغتصاب وتعذيب للمسلمين في العراق وأفغانستان والصومال؟
أين مطالباته بحماية المسلمين وعدم التسامح فيما جري لهم في جوانتانامو والعديد من دول أوروبا وآخرهم مروة الشربيني التي ذُبحت داخل محكمة ألمانية؟
أين رأيه كرجل دين وكرأس للكنيسة الكاثوليكية من الرسوم المسيئة للرسول والحرب علي الصحابة داخل البلاد التي يهيمن عليها دينياً؟
* * *
الكيل بمكيالين.. جريمة إذا ارتكبها سياسي. وخطيئة كبري لا تغتفر إذا صدرت من رجل دين يفقد معها القيمة والقامة والمكانة في القلوب.
ونتيجة للخلاف المذهبي بين الكاثوليك والارثوذكس والذي يصل إلي حد عدم اعتراف أيهما بالآخر.. فإن الدافع لدعوة حماية أقباط مصر ينحصر في أمر وحيد.. هو التحريض علي مصر.. وهذا مرفوض مهما كانت مكانة المحرض.
مستنى ردودكم