قال الشيخ حسين العوايشة في كتاب -من مواقف الصحابة -قصة دخول سعدى على زوجها طلحة رضي الله عنه"قالت سُعْدى: دَخَلْتُ يوماً على طلحة ( ابن عبيد الله )، فرأيت منه ثقلاً، فقلتُ له: ما لكَ؟ لعلَّك رابَك منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ".
قال: لا، ولَنِعْمَ حَليلة المرء المسلم انت، ولكن اجتمع عندى مال، ولا أدرى كيف أصنع به؟
قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟! ادْعُ قومك، فاقسِمْهُ بينَهم.
فقال: يا غلام! علىَّ بقومي.
فسألتُ الخازن: كم قسَمَ؟
قال: أربع مئة ألف"
***
"فرأيت منه ثقلاً".
لاحَظَتْ ثِقَلَهُ وتمعُّره.
لاحَظَتْ أنه فى غير سرور.
هذه الزوجة الصالحة اللبيبة التى تتابع أمور زوجها ودقائقه وتعابير وجهه.
***
"فقلتُ له: ما لكَ؟ لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ".
لم تَدَعْهُ فى غَمَّه على حاله، ولم تتركه فى ألمه، بل إنها كانت تسارع فى العلاج، وتبحثُ عن الدَّواء.
ليس ذلك فحسب، بل إنَّها قد ارتابت فى نفسها أن تكون سبب همَّه وغمَّه.
"لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ"
لعلَّي قصَّرْت معك فى واجبٍ من الواجبات؛ فأرجع عن ذنبى.
لعلَّي فرَّطْتُ فى بعض أمورك؛ فأعود عن إساءتى.
وكأنَّها تقول له: كيف أتركك حزيناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذى نفس محمد بيده؛ لا تؤدي المرأة حقَّ ربَّها حتى تؤدَّي حقَّ زوجها".
فأداء حقَّكَ بابٌ لأداء حقَّ ربَّى (سبحانه).
إنها لا تنسى قولَه صلى الله عليه وسلم: "حقُّ الزوج على زوجته: لو كانت به قَرحٌة فلَحَسَتْها، أو انتثرَ منخراه صديداً أو دماً ثم ابتَلَعَتْهُ؛ ما أدَّتْ حقَّه".
وكأنها تخشى (رضى الله عنها) دعاء الحور العين: "لا تؤذيه قاتَلَكِ الله . . ."؛ كما فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال: "لا تؤذى امرأة زوجَها فى الدُّنيا؛ إلا قالت زوجتُه من الحور العين: لا تُؤذيه قاتَلَكِ الله؛ فإنما هو عندك دخيلٌ، يوشك أن يفارقك إلينا".
كأنَّها خَشِيَتْ أن يُقال لها : لا تؤذيهِ قاتلك الله!
أتريد أخوف من هذا الدُّعاء على نفسها؟
ذلك لأنَّها تعلم (رضى الله عنها) أنه جنَّتها ونارها؛ كما فى حديث حصين بن محصن (رضى الله عنه):
قال: حدَّثتنى عمَّتى؛ قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الحاجة، فقال: "أي هذه! أذات بعل؟".
قلتُ: نعم.
قال: "كيف انتِ له؟".
قالت: ما آلوه إلا ما عجزتُ عنه.
قال: "فانظُرى أين انت منه؛ فإنما هو جنَّتك ونارك".
لعلَّها (رضى الله عنها) خشيت ألاَّ تجاوز صلاتها أذنيها؛ كما فى الحديث:
قال: "ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاتُهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجُها عليها ساخط، وإمامُ قوم وهم له كارهون".
"لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ؛ فُنعْتِبكَ".
كانت تشكُّ فى نفسها أنَّها السبب فيما هو فيه من ضيق وكَرْب.
لقد اتَّهمتْ نفسها مع أنها بريئة، لا كشأن الكثير من نساء اليوم؛ يجلبن الهموم والغموم لأزواجهنَّ، ومع ذلك؛ فإنهنَّ يُبــرَّئن أنفسهنَّ، ويُلْصِقْن الاتهامات بأزواجهنَّ، وأنَّهم هم أسباب الكروب، وهُنَّ بذلك يصنعنَ البلاء والمصائب وأسباب الشقاء؛ لأنَّهن لا يُفكَّرْنَ فى إصلاح أنفسهن، فقد حكمْنَ مقدَّماً فى أي أمرٍ؛ على براءة أنفسهنَّ، واتهام أزواجهنَّ.
أمَّا اتهام الزَّوجة نفسها؛ فثمرتُه إصلاح نفسها وتقويم إعوجاجها، وصفاء جو الأسرة؛ بحيث تستطيع تربية الأبناء تربية صالحة نافعة، وبذلك يصلح المجعمع وتصلح الأمَّة.
وماذا إذا حصلَ ما لا ينبغي حصولُه من الزَّوجة؟
". . . فنُعْتِبَكَ".
الاعتراف بالعيب، والرجوع عن الذنب والإساءة، لا الإصرار على ما هو عليه؛ لأنه أساء يوماً معها!
فبإصراره وإصرارها تُفتح أبواب الشقاء والعناء والبلاء.
فلا بدَّ من الرجوع السريع عن الذنب والعيب والإساءة.
***
"قال: لا، ولَنِعْمَ حَليلة المرء المسلم أنت".
لنعم الزوجة أنت.
إنها زوجة صالحة طيَّبة مطيعة لزوجها، وإنَّه لزوج صالح وفىٌّ لزوجته، لا ينسى الجميل ولا المعروف.
هذان مثال الزوجين الصالحين السعيدين اللذين تآلفت قلوبُها وتحابَّا وأخلصا لبعضهما، وسَعَيا لمرضاة الله (تعالى).
***
"ولكن اجتمع عندى مال، ولا أدرى كيف أصنع به".
هذا هو سرُّ ثقله، وهذا هو سبب همُّه: اجتماع المال الكثير عنده.
أما همومنا نحن؛ فأسبابها التفكير فى المزيد والمزيد من جمعها، وكثير ما يكون من الحرام أيضاً.
الغموم تطاردُ كبار الأثرياء والموسرين والتجَّار، وعم يفكرون بوسائل شتَّى لزيادة أرقام مبالغهم، وهم يعلمون أنَّ هذا يأخذ من أوقاتهم، ويسلب من دينهم، ويسرق من خشوعهم.
بَيْدَ أن طلحة (رضى الله عنه) قد اغتمَّ بسبب كثرة المال.
"قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟! ادْعُ قومك، فاقسِمْهُ بينَهم".
المسألة يسيرة سهلة؛ لإزالة أسباب الغموم "ادْعُ قومَكَ فأقسِمْهُ بينَهُم".
لعلَّ نساء العصر-إلا مَن رَحِمَ الله تعالى-يُحرَّضْنَ الأزواج ضدَّ أقاربهم، ويؤلَّبْنَهُم ضدَّهم، وأما حضُّ الأزواج على إنفاق الأموال لأقاربهم؛ فلا يَرِد فى بالهنَّ أبداً.
لعلَّها تنفق هي وتهدى لأقاربها ما لذَّ وطاب، ولكنَّه لو أراد شيئاُ من هذا؛ قامت تذكَّرُه بعيوبهم وذنُوبهم لتصدَّه عن الخير.
إنَّ التَّواصي بالحقَّ والتَّواصي بالصَّبر؛ لهو من أركان الربح والفوز والنجاة، ولأشدّ ما ينبغى وجوده بين الزوجين.
لذلك رأيتَ سُعدى (رضى الله عنها) تنصحُ زوجَها أن يوزَّع المال على قومه، ففعلَ.
***قال: "يا غلام! علىَّ بقومي".
تنفيذ للنَّصيحة سريع.
مسارعةٌ إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض.
مسابقةٌ إلى رضوان الله (سبحانه).
***
"فسألت الخازن: كم قَسَم؟ قال: أربع مئة ألف".
هذا هو الجيل الذى يبحث عن مرضاة الله (تعالى).
إنه الجيل الذى لا يضع المال فى قلبه.
إنه الجيل الذى يقدَّم الإيمان على بريق الذهب والوَرِق.
إنه الجيل الذى يسعى لإعمار آخرته.
يسعى إلى قصور وحدائق وأنهار فى الجنَّة.
فليكن هكذا سعينا لنفوز ونفلح وننجح إن شاء الله.
ولتذكر كل زوجة إذا ما غضب زوجها قصة سُعدى (رضى الله عنها)، فتزيل عنه الغموم والهموم بإذن الله.
*****************
رد:
قال الشيخ حسين العوايشة في كتاب -من مواقف الصحابة -قصة دخول سعدى على زوجها طلحة رضي الله عنه"قالت سُعْدى: دَخَلْتُ يوماً على طلحة ( ابن عبيد الله )، فرأيت منه ثقلاً، فقلتُ له: ما لكَ؟ لعلَّك رابَك منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ".
قال: لا، ولَنِعْمَ حَليلة المرء المسلم انت، ولكن اجتمع عندى مال، ولا أدرى كيف أصنع به؟
قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟! ادْعُ قومك، فاقسِمْهُ بينَهم.
فقال: يا غلام! علىَّ بقومي.
فسألتُ الخازن: كم قسَمَ؟
قال: أربع مئة ألف"
***
"فرأيت منه ثقلاً".
لاحَظَتْ ثِقَلَهُ وتمعُّره.
لاحَظَتْ أنه فى غير سرور.
هذه الزوجة الصالحة اللبيبة التى تتابع أمور زوجها ودقائقه وتعابير وجهه.
***
"فقلتُ له: ما لكَ؟ لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ".
لم تَدَعْهُ فى غَمَّه على حاله، ولم تتركه فى ألمه، بل إنها كانت تسارع فى العلاج، وتبحثُ عن الدَّواء.
ليس ذلك فحسب، بل إنَّها قد ارتابت فى نفسها أن تكون سبب همَّه وغمَّه.
"لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ فُنعْتِبكَ"
لعلَّي قصَّرْت معك فى واجبٍ من الواجبات؛ فأرجع عن ذنبى.
لعلَّي فرَّطْتُ فى بعض أمورك؛ فأعود عن إساءتى.
وكأنَّها تقول له: كيف أتركك حزيناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذى نفس محمد بيده؛ لا تؤدي المرأة حقَّ ربَّها حتى تؤدَّي حقَّ زوجها".
فأداء حقَّكَ بابٌ لأداء حقَّ ربَّى (سبحانه).
إنها لا تنسى قولَه صلى الله عليه وسلم: "حقُّ الزوج على زوجته: لو كانت به قَرحٌة فلَحَسَتْها، أو انتثرَ منخراه صديداً أو دماً ثم ابتَلَعَتْهُ؛ ما أدَّتْ حقَّه".
وكأنها تخشى (رضى الله عنها) دعاء الحور العين: "لا تؤذيه قاتَلَكِ الله . . ."؛ كما فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال: "لا تؤذى امرأة زوجَها فى الدُّنيا؛ إلا قالت زوجتُه من الحور العين: لا تُؤذيه قاتَلَكِ الله؛ فإنما هو عندك دخيلٌ، يوشك أن يفارقك إلينا".
كأنَّها خَشِيَتْ أن يُقال لها : لا تؤذيهِ قاتلك الله!
أتريد أخوف من هذا الدُّعاء على نفسها؟
ذلك لأنَّها تعلم (رضى الله عنها) أنه جنَّتها ونارها؛ كما فى حديث حصين بن محصن (رضى الله عنه):
قال: حدَّثتنى عمَّتى؛ قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الحاجة، فقال: "أي هذه! أذات بعل؟".
قلتُ: نعم.
قال: "كيف انتِ له؟".
قالت: ما آلوه إلا ما عجزتُ عنه.
قال: "فانظُرى أين انت منه؛ فإنما هو جنَّتك ونارك".
لعلَّها (رضى الله عنها) خشيت ألاَّ تجاوز صلاتها أذنيها؛ كما فى الحديث:
قال: "ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاتُهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجُها عليها ساخط، وإمامُ قوم وهم له كارهون".
"لعلَّك رابَكَ منَّا شىءُ؛ فُنعْتِبكَ".
كانت تشكُّ فى نفسها أنَّها السبب فيما هو فيه من ضيق وكَرْب.
لقد اتَّهمتْ نفسها مع أنها بريئة، لا كشأن الكثير من نساء اليوم؛ يجلبن الهموم والغموم لأزواجهنَّ، ومع ذلك؛ فإنهنَّ يُبــرَّئن أنفسهنَّ، ويُلْصِقْن الاتهامات بأزواجهنَّ، وأنَّهم هم أسباب الكروب، وهُنَّ بذلك يصنعنَ البلاء والمصائب وأسباب الشقاء؛ لأنَّهن لا يُفكَّرْنَ فى إصلاح أنفسهن، فقد حكمْنَ مقدَّماً فى أي أمرٍ؛ على براءة أنفسهنَّ، واتهام أزواجهنَّ.
أمَّا اتهام الزَّوجة نفسها؛ فثمرتُه إصلاح نفسها وتقويم إعوجاجها، وصفاء جو الأسرة؛ بحيث تستطيع تربية الأبناء تربية صالحة نافعة، وبذلك يصلح المجعمع وتصلح الأمَّة.
وماذا إذا حصلَ ما لا ينبغي حصولُه من الزَّوجة؟
". . . فنُعْتِبَكَ".
الاعتراف بالعيب، والرجوع عن الذنب والإساءة، لا الإصرار على ما هو عليه؛ لأنه أساء يوماً معها!
فبإصراره وإصرارها تُفتح أبواب الشقاء والعناء والبلاء.
فلا بدَّ من الرجوع السريع عن الذنب والعيب والإساءة.
***
"قال: لا، ولَنِعْمَ حَليلة المرء المسلم أنت".
لنعم الزوجة أنت.
إنها زوجة صالحة طيَّبة مطيعة لزوجها، وإنَّه لزوج صالح وفىٌّ لزوجته، لا ينسى الجميل ولا المعروف.
هذان مثال الزوجين الصالحين السعيدين اللذين تآلفت قلوبُها وتحابَّا وأخلصا لبعضهما، وسَعَيا لمرضاة الله (تعالى).
***
"ولكن اجتمع عندى مال، ولا أدرى كيف أصنع به".
هذا هو سرُّ ثقله، وهذا هو سبب همُّه: اجتماع المال الكثير عنده.
أما همومنا نحن؛ فأسبابها التفكير فى المزيد والمزيد من جمعها، وكثير ما يكون من الحرام أيضاً.
الغموم تطاردُ كبار الأثرياء والموسرين والتجَّار، وعم يفكرون بوسائل شتَّى لزيادة أرقام مبالغهم، وهم يعلمون أنَّ هذا يأخذ من أوقاتهم، ويسلب من دينهم، ويسرق من خشوعهم.
بَيْدَ أن طلحة (رضى الله عنه) قد اغتمَّ بسبب كثرة المال.
"قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟! ادْعُ قومك، فاقسِمْهُ بينَهم".
المسألة يسيرة سهلة؛ لإزالة أسباب الغموم "ادْعُ قومَكَ فأقسِمْهُ بينَهُم".
لعلَّ نساء العصر-إلا مَن رَحِمَ الله تعالى-يُحرَّضْنَ الأزواج ضدَّ أقاربهم، ويؤلَّبْنَهُم ضدَّهم، وأما حضُّ الأزواج على إنفاق الأموال لأقاربهم؛ فلا يَرِد فى بالهنَّ أبداً.
لعلَّها تنفق هي وتهدى لأقاربها ما لذَّ وطاب، ولكنَّه لو أراد شيئاُ من هذا؛ قامت تذكَّرُه بعيوبهم وذنُوبهم لتصدَّه عن الخير.
إنَّ التَّواصي بالحقَّ والتَّواصي بالصَّبر؛ لهو من أركان الربح والفوز والنجاة، ولأشدّ ما ينبغى وجوده بين الزوجين.
لذلك رأيتَ سُعدى (رضى الله عنها) تنصحُ زوجَها أن يوزَّع المال على قومه، ففعلَ.
***قال: "يا غلام! علىَّ بقومي".
تنفيذ للنَّصيحة سريع.
مسارعةٌ إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض.
مسابقةٌ إلى رضوان الله (سبحانه).
***
"فسألت الخازن: كم قَسَم؟ قال: أربع مئة ألف".
هذا هو الجيل الذى يبحث عن مرضاة الله (تعالى).
إنه الجيل الذى لا يضع المال فى قلبه.
إنه الجيل الذى يقدَّم الإيمان على بريق الذهب والوَرِق.
إنه الجيل الذى يسعى لإعمار آخرته.
يسعى إلى قصور وحدائق وأنهار فى الجنَّة.
فليكن هكذا سعينا لنفوز ونفلح وننجح إن شاء الله.
ولتذكر كل زوجة إذا ما غضب زوجها قصة سُعدى (رضى الله عنها)، فتزيل عنه الغموم والهموم بإذن الله.
*****************