الاسرائيليون يستعدون للحرب في لبنان، والامريكيون يهيئون الاجواء
والتحالفات اللازمة لدعم هذه الحرب، من خلال افشال المبادرة السورية ـ
السعودية اولا، وتصليب مواقف جماعة الرابع عشر من آذار بزعامة السيد سعد
الحريري ثانيا.
بالامس صرح العقيد آدم زوسمان قائد المنطقة الوسطى في
الجبهة الداخلية في الجيش الاسرائيلي التي تضم مدينة تل ابيب، ان القذائف
والصواريخ ستنهال على كل الجبهات في حال اندلاع الحرب، وسيكون نصيب تل ابيب
منها كبيرا، الامر الذي سيؤدي الى مقتل العشرات او المئات من القاطنين
فيها.
هذه التصريحات التي تتزامن مع اجتماع الحكومة الامنية الاسرائيلية
المصغرة لمناقشة سبل حماية المدنيين في الحرب تصب في مصلحة تهيئة الرأي
العام الاسرائيلي نفسيا للحرب، وتقبل خسائر بشرية كبيرة في حال اشتعال
فتيلها.
فالتطور الابرز في الحروب الاسرائيلية ضد العرب في السنوات
العشرين الاخيرة، يتمثل في اطلاق صواريخ تصيب العمق الاسرائيلي، سواء من
العراق اثناء حرب عام 1991 او من لبنان اثناء العدوان الاسرائيلي عام 2006،
حيث قصفت المقاومة الاسلامية اللبنانية هذا العمق باكثر من اربعة آلاف
صاروخ.
العام الحالي ربما يكون عام الحرب في لبنان لان اسرائيل لا
تستطيع تحمل حالة الردع الحالية التي فرضها 'حزب الله' وحلفاؤه من خلال
امتلاكهم قدرات عسكرية متطورة لا تملكها تسعون في المئة من الدول في
العالم. فكيف لها ان تستغل حقول الغاز المكتشفة حديثا في المياه الدولية
قبالة السواحل الفلسطينية ـ اللبنانية المشتركة في ظل هذه القوة الصاروخية
الجبارة لـ'حزب الله'. وكيف يمكن ان تتوصل الى اتفاق حول هذه الحقول مع
حكومة لبنانية ترفض، بل لا تستطيع، توقيع معاهدة سلام معها اسوة بمصر
والاردن؟
المعارضة اللبنانية تدرك بدورها ان الوضع في لبنان متجه نحو
التصعيد بقرار امريكي، تحت ذريعة استمرار عمل المحكمة الدولية المتعلقة
باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، فالرئيس باراك اوباما استقبل السيد
الحريري الابن في البيت الابيض مؤكدا له دعمه ومساندته للمحكمة، ومنددا
بالمعارضين لها، بينما حرصت وزيرة خارجيته السيدة هيلاري كلينتون على حضور
منتدى المستقبل في الدوحة لحشد تأييد وزراء الخارجية العرب خلف هذه المحكمة
وقرارها الظني المتوقع صدوره في أي يوم من الايام المقبلة.
هذه
المعارضة اخطأت ومعها سورية في قراءة الموقف الامريكي والتخطيطات
الاسرائيلية تجاه لبنان بشكل وثيق وصحيح، عندما راهنت على المبادرة السورية
السعودية، واعتقدت ان المملكة العربية السعودية تستطيع ان تغير وجهة
المحكمة، وان تؤجل او تلغي قرارها الظني. لان العاهل السعودي الحليف الاقوى
لواشنطن في المنطقة لا يستطيع ان يتحدى الادارة الامريكية، في مثل هذا
الوقت بالذات الذي يستشعر فيه الخطر الايراني على بلاده ويحرض الادارة
الامريكية على قطع رأس الأفعى الايرانية مثلما كشفت وثائق ويكيليكس.
المبادرة
السعودية السورية استخدمت من اجل كسب الوقت، وتهدئة الاوضاع في لبنان
بشكل مؤقت، تمهيداً لنضوج الاوضاع على الارض واكتمال الاستعدادات
الاسرائيلية، والا ما معنى ان ينفي السفير السعودي في لبنان وجود هذه
المبادرة في الاساس فجأة، وبعد تأكُد الجميع من انهيارها بعد لقاءات واشنطن
بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والعاهل السعودي والسيدة هيلاري
كيلنتون والرئيس سعد الحريري؟
فاذا كانت هذه المبادرة غير موجودة في
الاساس لماذا لم يقل السفير السعودي بذلك قبل شهر او شهرين مثلاً، ولماذا
انتظر نعيها من قبل العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر، ثم لماذا
ظل السياسيون اللبنانيون يحللون هذه المبادرة ويبنون الآمال عليها طوال
الأشهر الماضية، فهل كانوا يتعاطون مع وهم، ام ان بعضهم كان جزءاً من مخطط
التضليل والتشويه بحسن او سوء نية، لتهدئة الاوضاع لتمرير فترة اعياد
الميلاد، وتنفيس الاحتقان على الساحة اللبنانية مؤقتاً لعدم تعكير صفوف
الاستعدادات الامريكية والاسرائيلية؟
لا نخالف الكثيرين الذين يتوقعون
اياماً صعبة قادمة على لبنان، فالبلد دخل ازمة دستورية بمجرد انسحاب وزراء
المعارضة من الحكومة بهدف اسقاطها، ورفع راية التحدي لرئيسها وحلفائه،
وسيكون من الصعب على اي رئيس وزراء جديد يكلفه رئيس الدولة ميشال سليمان
تشكيل حكومة جديدة في ظل حالة الاستقطاب والتجاذب الراهنة، الامر الذي يعني
اتساع الشرخ، وتعمق الانقسامات، وقرب صدور القرار الظني الذي قد يشعل فتيل
المواجهات
.