يقول الحكماء أن البطون الجائعة تقود لعقول مضطربة وأحيانا
مشلولة ويقولون البطون الخالية تولد وجعا هائلا ينسي الموجوع شتى همومه
ليتفرغ لقهرالعوز والجوع أولا , تماما كما تفعل المشافي في وضع الأولوية
لعلاج الحالات الطارئة ثم تتفرغ بعدها لمداواة شكاوى المريض الأخرى حتى لو
كانت شكواه من مرض السرطان القاتل .. ويؤكدون أن الجائع لا يملك سعة في
التفكير تؤهله لخوض معارك تبدو له جانبية مقارنة بمعركته مع الجوع والعوز.
العدد الأكبر من أبناء شعوب العالم غير الغربي أو الصناعي المتطور (إضافة
الى البعض من هذه الشعوب) يذهبون الى فراشهم ليلا ببطون فارغة وفي أفضل
الأحوال نصف مليئة وتتنازعهم المخاوف من الغد ولا يعلمون ماذا يخبيء لهم
النهار القادم في حسبة عرفوها جيدا لا تتمخض سوى عن المزيد من المعاناة
والحرمان وقلة الحيلة , انهم يعلمون أن يوما بائسا جديدا بانتظارهم .
في العالم العربي والإسلامي وفي بقية العوالم الآسيوية والأفريقية المبتلاة
بالإستبداد السلطوي وبتهميش الأغلبيات الساحقة لصالح الأقليات الحاكمة و
المتنفذة, في هذه العوالم لا صدى يسمع لأنين الجوعى والمقهورين ولا حتى
لصراخهم , وقد يوقظهم صراخهم الذي بات أزليا وتعلمهم جراحهم غير الملتئمة
الكفر بآراء الحكماء سابقة الذكر ليدركوا أن وجع العقول أقسى من وجع البطون
وليكفروا بمقولة "البطون الخالية تقصي العقول العامرة" ويستبدلوها بشعار
ثوري جديد "لا جوع ولاعوز ولا مذلة مع العزيمة القوية والعقل المعافى" ومن هنا تبدأ هجرتهم نحو الخيار الآخر.. خيار التحدي والتصدي لقوى البغي التي أوجعت عقولهم قبل أن توجع بطونهم .
هكذا نالت حريتها شعوب الأرض الثائرة ولا حرية بلا تضحية ومثابرة ولا تنال
الحقوق بملء البطون بل بتحرر العقول فالشعوب المستضعفة مبتلاة بعقول محتلة
غالبا وبأراض وعقول محتلة أحيانا وجميعها أشكال مختلفة من الإحتلال... من
إحتلال للأرض والعقول في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان الى إحتلال
للعقول في السواد الأعظم من الكون.