انفصـــال جنــوب السودان .. و تفكيك الأمة" جريمة التاسع من يناير 2011 "
تجلى المشروع الغربى بقيادة بريطانيا العظمى و فرنسا فى القرن الفائت و
أنتج واقعا استعماريا متوحشا كانت أهم انجازاته تقسيم أمتنا الى دول
متناثرة بإتفاقية سايكس بيكو الشهيرة بعد أن نجحت أوروبا فى القضاء على
تجرية محمد على و الباى احمد و من قبله على بك الكبير .. و أصبحت عقيدة
الغرب الاستراتيجية هى اجهاض أى محاولة للنهوض و التقدم ..وصولا الى زرع
الكيان الصهيونى فى جسد أمتنا ليلعب دورا وظيفيا كأداة للغرب فى منع أى
محاولة للخروج من دائرة التخلف و التبعية للغرب . أما الأداة الثانية و
الرئيسة التى استخدمها الغرب فهى خلق طبقات مواليه له و لمشروعه .. فى
القرن التاسع عشر خلق طبقة كبار ملاك الأراضى و الاقطاعيين و شيوخ القبائل
كطبقة موالية للغرب و ساعدها فى اجهاض الحركة الوطنية فى اقطارنا العربية و
لعبت تلك الطبقة الدور الأساس فى تفتيت الحركة الوطنية و تناثرها و افساد
أحزابها و جماعاتها السياسية . الى ان جاءت تورة يوليو و أخرجت المحتل
الانجليزى و ساعدت كل حركات التحرر العربية و العالمية فى مواجهة
الاستعمار الأوروبى .و استمرت تلك الطبقة فى توجيه كل سهامها و سمومها
لمشروع ثورة يوليو و امتدادها العربى و العالمى و بالذات فى جوهره المتمثل
فى الاستقلال الوطنى و العدالة الاجتماعية و الوحدة العربية .و فوجىء
المشروع الغربى و الذى انتقل من المركزية الأوربية بقيادة بريطانيا العظمى
الى الولايات المتحدة الأمريكية بتطور نوعى و استراتيجى كبير و بالذات بعد
حرب اكتوبر العربية ضد الكيان الصهيونى و المشروع الصهيونى الأمريكى الغربى
اجمالا . فقد مثل نصر أكتوبر 1973 نقطة تحول حاسمة فى تاريخ العلاقات
الدولية، بل مثل أعظم درس تاريخى على إمتداد القرن الماضى، فلقد أثبتت
معركة النفط وإستخدامه كسلاح إستراتيجى في 73 / 1974، أن النظام الدولي ليس
نتاجاً "لحوار بين مجموعة من الحكماء" وإنما يعكس في الواقع موازين القوى
الحقيقية، فقد أعتبر رفع أسعار النفط في عام 73 / 1974، بمثابة إنتصار
جماعى للعالم الثالث، فلأول مرة منذ أربعة قرون يتخذ قرار يتعلق بالعالم
أجمع ككل خارج إطار سيطرة المركز الرأسمالي، لقد أثبتت هذه الخطوة إمكانية
هذا، وأثبتت أن ما يدعى "قوانين السوق" التي يستند إليها لتفسير إستحالة
تغيير الأسعار المجحفة لمنتجات العالم الثالث، ليست سوى مقولة "أيديولوجية"
وضعت لإخفاء حقيقة موازين القوى الدولية. و هنا بالتحديد كان اللقاء
الواسع بين مخابرات و مراكز أبحاث الغرب بقيادة أمريكا لوضع ما عرف
بإستراتيجية تفكيك أوصال الدولة .. و من عناصرها الأساسية خلق طبقة جديدة
موالية للمشروع الغربى من رجال السياسة فى أنظمتنا العربية و رجال الأعمال
و من المثقفين بمختلف توجهاتهم و تزامن هذا مع الانفتاح الاقتصادى و
السيطرة على السوق المحلى و تدمير القطاع العام و تصفية الاصلاح الزراعى و
تخريب التعليم وبالجملة القضاء على كل انجازات ثورة يوليو مصريا و عربيا و
عالميا ..و انتقلت الأنظمة العربية من التبعية الى الاندماج فى المشروع
الغربى بقيادة أمريكا .. مشهد الأمة الآن تجاوز ذروة الدراما فى مسلسل
حركتها فى التاريخ الحديث ..هو مشهد التيه و الضياع فى صحراء العولمة
المتوحشة و مشروع التفيت الطائفى القائم أساسا على تقسيم المقسم و تجزئة
المجزأ ،و نقطة البدء فيه الانهاء الكامل لمشروع المقاومة الباسلة فى
فلسطين و لبنان و العراق بكل الطرق و بشتى الأساليب و هو بالطبع ، أخر حلقة
تم إنتاجها فى فندق الفيرمونت بولاية سياتل الأمريكية ، و المقر الدائم
لقادة العولمة المتوحشة المتغطرسة المتسلحة بشتى أنواع الأسلحة ، من
السيطرة على الاقتصاد ، الى الهيمنة على التكنولوجيا عسكرية كانت أو
معلوماتية أو استهلاكية ، مرورا بهيمنة على مؤسسات السيطرة المالية و
الاعلامية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية . مشهد الأمة الآن ليس
وليد اللحظة الراهنة .. و لكنه الحلقة الراهنة من سيناريو الصراع بين الأمة
فى تاريخها الممتد ، و بين مشاريع إقليمية حينا ، و الغرب فى كل الأحايين
.. سبقته حلقات متنوعة فى الأدوار و الممثلين و النص .. من الهكسوس و
الحيثيين ، مرورا بالروم و الفرس و التتر و المغول و الترك ، وصولا الى
الفرنجة بحروبهم الصليبية ، و الفرنسيس و الانجليز بحملاتهم ، و خروج
الغرب من حروبه الأهلية و صراعاته الثانوية بالتوحد فى الهدف المشترك ، الأ
وهو أمتنا العربية .. ليست فقط فى ذاتها ، و ان كان هذا صحيح ، و لكن أيضا
بإعتبارها قلب الدائرة الاسلامية ، من آسيا و أفريقيا ، و ذات مجد و تاريخ
حضارى عربى إسلامى ، و نقاط مضيئة فى مسيرة التاريخ الانسانى .. و هيمنة
حضارية امتدت قرون عدة ، و فى قلب أوربا ، فى عصور انحطاطها و ظلامها ،
بثمانى قرون فى الأندلس ، نقلتها من طور متخلف مظلم جاهلى ، إلى طور حضارى
مبصر متنور متمدن . ان مخطط تفتيت الأمة بمشروع الشرق الأوسط الجديد و
الذى تعاد صياغة تفاصيله الأن على ضوء إدارة أوباما و من خلال القوة
الناعمة بديلا عن القوة المتوحشة التى رفع لواءها جورج بوش و المحافظين "
المتوحشين " الجدد ، ليس إلا محاولة أخيرة لإنقاذ سادة العالم الجدد و قوى
الشر العالمى و عملائهم من الأنظمة العربية العميلة ، الخائنة ، الغافلة
من السقوط الذريع و انهيار المشروع الغربى و فى القلب منه المشروع
الامبراطورى الأمريكى كقيادة مركزية لنظام العولمة الرأسمالية المتوحشة .
من هذا المنطلق نرى الجريمة الكبرى التى ستحدث غدا فى حق جسد أمتنا فى
السودان .. غدا .. سنشهد وقائع انفصال جزء كبير من أمتنا و غنى
بموارده الطبيعية من البترول و المواد الخام و حتى مياه النيل . غدا
سيكتب التاريخ فصلا جديدا من فصوله بإنفصال جنوب السودان على مرآى و مسمع
من أنظمة عميلة .. و مصر بالتحديد هى المصابة بأكبر ضرر قادم من جنوب
السودان بعد نجاح العدو الصهيونى الأمريكى فى الامساك بخيوط حركته و تدريب
عناصر حركاته المسلحة و دعمه بكل السبل و الوسائل .غدا فى التاسع من يناير
2011 سيذكر التاريخ ان جريمة عظمى قد ارتكبت فى حق أمتنا العربية بتقسيم
السودان فى ظل انظمة عربية خائنة عميلة