نودع عاما ونستقبل عاما آخر، فهذا ديدن الحياة، عام يمر وعام يأتي وهكذا، لكن المراقب لأوضاع العربان يبكي على عام مضى رغم ما مرّ به من مصائب وويلات، لأن ما يحمله العام القادم يبشر بالأسوأ، وهذا ما تعودنا عليه في زمننا الرديء هذا، وإن كنا ولا نزال "نعيب زماننا والعيب فينا"، ورحم الله الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي الذي يئس من العربان وقال قبل أكثر من مئة عام:
ناموا ولا تستيقظوا* فما فاز إلا النُّوَمُ
فها نحن نستقبل العام الجديد بتقسيم مؤكد للسودان، ونسأل الله أن لا تتبعه تقسيمات أخرى لهذا البلد الذي يعتبر إحدى السلات الغذائية الاحتياطية للعالم أجمع، ونسأل الله أن لا تتبعه تقسيمات للعراق العظيم، ولليمن الذي ما عاد سعيدا، وأن لا تنفذ مخططات تقسيم المملكة السعودية، ولا لبنان الذي تمزقه الطائفية العمياء، وأن لا تتم تصفية القضية الفلسطينية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني.
ولا يخفى على المرء أن مخططات "الصديقة" أمريكا تستهدف المنطقة العربية بشكل واضح، وأن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي طرحته إدارة سيئ الذكر جورج دبليو بوش، لم يعد الحديث عنه، لأنه بدأ بالتطبيق الفعلي بهدوء وبدون ضجة، وإذا كانت أمريكا وحليفتها "إسرائيل" تستهبل العربان حكاما وشعوبا، فإن غالبية القادة العرب يستهبلون شعوبهم، فمثلا الأنظمة الدكتاتورية تثقف شعوبها على أنها في أحسن حال بالانتصارات العظيمة، والتنمية الرائدة، وأن من لا يتفق مع ذلك ناكر للجميل مخالف لإجماع الأمّة، يجب ردعه.
فانفصال السودان ينفذ لمصلحة الشعب السوداني، ومصلحة الأمة العربية ودول الجوار، والجرائم المرتكبة في إقليم دارفور لمصلحة الشعب السوداني وللمحافظة على وحدة أراضيه!! وقتل الشعب العراقي بعلمائه وطياريه، ونهب خيراته وتقسيم أراضيه وتدمير حضارته، وتهجير الملايين من أبنائه، وتيتيم الملايين من أطفاله، وترميل الملايين من نسائه الماجدات.. من أجل بناء عراق جديد ديموقراطي!!.
وفتح مكاتب تجارية إسرائيلية في عواصم عربية بوادر حسن نية عربية لإسرائيل كي تجنح للسلام!! مع أنها تفرض وقائع جديدة على الأرض من خلال الاستيطان، الذي لم يترك مكانا تقوم عليه الدولة الفلسطينية.
وقد يكون هدم المسجد الأقصى أو تقسيمه دعامة من دعائم السلام المنشود! وقد يكون طرد من تبقى من الشعب الفلسطيني على تراب وطنه بشكل جماعي، خطوة نحو براءة العرب من معاداة السامية، بعد أن نسوا هم أنفسهم بأنهم ساميون، فيهودية إسرائيل على- أرض إسرائيل- التاريخية من البحر إلى النهر خطوة رائدة للسلام في المنطقة، فليس لليهود دولة غيرها، بينما للعربان إحدى وعشرون دولة، وقد يتضاعف عددها في العقد القادم.
وتبث الفضائيات العربية تقارير عن إنجازات عظيمة، حتى يخال المرء نفسه يعيش في أكثر دول العالم ثراءً وتطورا، وأن العالم الآخر تضاءل ويكاد ينمحي أمام أمة العربان الجبارة، واستعراضات الجيوش في بعض الاحتفالات تنبئ المواطن بأنه دولته هي الأقوى والأعظم بين الدول، فهل على رأي أشقائنا المصريين "اللي اختشوا ماتوا" أم أن الهبل يضرب أطنابه في شعوب ارتضت الهزائم والجوع والمهانة..؟ وهل بقي للأزمة المتكررة "كل عام وأنتم بخير" مكان؟!.