الدعوات التي تصدر في عواصم غربية، سواء على لسان مسؤولين كبار في
الحكومات، او في افتتاحيات صحف، وتطالب بحماية ابناء الطائفة القبطية
المصرية، هي دعوات مشبوهة، تكشف عن نزعات عنصرية، وتدخل سافر في شؤون دول
من المفترض ان تكون صديقة للغرب.
الاقباط مصريون قبل ان يكونوا من اتباع
الديانة المسيحية، وهم شركاء في مصر على قدم المساواة مع اشقائهم
المسلمين، ولذلك فان مسؤولية حمايتهم تقع على عاتق الدولة ومن صميم
واجباتها تجاههم كمواطنين لهم حقوق مثلما عليهم واجبات.
الهجوم الاجرامي
الذي استهدف الكنيسة في الاسكندرية جاء من اجل خلق فتنة، وتمزيق النسيج
الاجتماعي المصري، وضرب كل اسس التعايش بين ابناء الوطن الواحد، ويجب النظر
اليه من هذه الزاوية، لان من يقفون خلفه يسيئون للمسلمين اكثر مما يسيئون
للاقباط.
جميع فئات الشعب المصري تعاني من الظلم والتهميش وانتهاك
حقوقهم كبشر، والاستثناء الوحيد ينطبق على حفنة من رجال الاعمال الملتفين
حول النظام، لان هؤلاء فوق القانون، وشركاء في الظلم، ومنبع الفساد
الاساسي.
بمعنى آخر ليس ابناء الديانة المسيحية هم المستهدفين بالظلم،
وهضم الحقوق، وانما ابناء الديانة الاسلامية ايضاً، ومن يتابع ما ينشر في
الصحف المصرية عن اعمال الاعتقال التي تستهدف انصار الاخوان المسلمين،
والجماعات الاسلامية الاخرى المعارضة للنظام، وبشكل يومي يجد الكثير من
الاثباتات في هذا الخصوص.
صحيح ان هناك تمييزاً ضد الاقباط، كما ان هناك
قيوداً على بناء كنائسهم، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تمييز ايضاً ضد
الآخرين، فكل من يعارض النظام، ويحتج على الفساد، ويطالب بالتغيير، وقيام
دولة القانون، ينتهي في السجون، وهناك عشرات الآلاف من المعتقلين من
المسلمين في السجون المصرية، كما ان احكاما بالاعدام صدرت في حق المئات من
محاكم امن الدولة جرى تنفيذ معظمها.
الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية
الاكبر عن حالة الاحتقان الطائفي المتصاعدة حاليا في مصر، وتهدد بانفجارات
ومواجهات دموية داخلية، مثلما تتحمل مسؤولية الفشل الامني الذي ادى الى
اقتحام كنيسة الاسكندرية وازهاق ارواح المصلين الابرياء فيها، ومع ذلك نرى
ان اي تدخل خارجي تحت ذريعة حماية الاشقاء الاقباط مرفوض من اساسه، وهو احد
عناوين الفتنة التي يمكن ان تضر جميع ابناء الشعب المصري بغض النظر عن
ديانتهم.
مجزرة كنيسة الاسكندرية هي احد الاعراض الجانبية لأزمة كبرى
تعيشها مصر حاليا، ولا يمكن مواجهة هذه الازمة بتصديرها الى الخارج، وانما
من خلال اعتراف اهل الحكم بوجودها اولا، والبحث عن الاسباب والعوامل التي
ادت الى تفاقمها، وبعد ذلك وضع الحلول الناجعة لعلاجها.
لا نعتقد ان
النخبة الحاكمة تملك القدرة على مواجهة هذه الازمة، او ايجاد الحلول لها،
لانها ترفض الاعتراف بوجودها من الاساس، وتحاول تصوير الاوضاع في مصر، من
خلال احصاءات مزورة عن النمو الاقتصادي لاعطاء صورة مضللة للشعب، بحيث بات
ينطبق عليها المثل المصري الذي يقول بان هناك من يطلق الكذبة ثم يصدقها
.