رحيل زائر عابر

ركب سيارته وانطلق بها مسافراً ؛ يقصد زيارة أحد أقاربه في البلدة ؛ farao

المجاورة لحضور مناسبة اجتماعية ؛ دعي إليها ، وإذ هو في الطريق شاهد القرية التي تلوح له من بعيد ( من خلال النافذة الموازية له) .. قرر أن يزور هذه القرية ولو لبضع من الوقت ويستكشفها فلم تكن المرة الأولى التي يشاهدها أثناء مسيره في هذا الطريق والفكرة كانت تستهويه ؛ لكنه لم يلقي لها بالاً في المرات السابقة ؛ ومع ذلك ظلت تداعب له خياله ! وتسائل في قرارة نفسه ماذا يوجد في هذه القرية من مستجدات ؛ لم يألف رؤيتها .. مناظر جميلة خلاّبة أشجار مثمرة يانعة تلال وجبال .. كان دائماً مايتوق لرؤية الطبيعة الجميلة البهية الخلابة .. وبالنسبة بتفكيره بأناسها كان موقناً بأن الناس مختلفي الطبائع والأفعال والانتمائات في كل مكان .. ولكن لمن ستكون الكثرة .. هذا الموضوع لم يكن يشغله كثيراً .. يقولها دائماً باستمرار من سيتدخل بي إذا لم أحشر نفسي فيما لا يخصني .. ثم إنني سأكتشف القرية لطبيعتها وجمالها وزهائها الذي لا ينتمي لطائفة معينة من الناس .. لذا انعطف بسيارته متوجهاً نحوها .. وفي أقرب مقهى رأته عيناه توقف فيها ليتناول شيئأً يأكله أو يحتسي شراباً دافئاً لذيذا ينعشه ؛ رأى رجلاً في هذا المقهى يطالعه بنظرات اندهاش ويقترب منه , وقعد أمامه بنفس الطاولة وهنا دار هذا الحوار :

ـ القروي : يبدو أنك لست من أهل القرية ؟
ـ الزائر : في الحقيقة فعلاً لستُ من هذه القرية .. أردت أن أتوقف بها قليلاً لزيارتها إذ كثيراً ما أراها تلوح لي من بعيد وأرغب بزيارتها منذ زمن لكنني كنت مشغولاً جداً والآن حانت لي الفرصة فجأت إلى هنا في زيارة سريعة خاطفة ..

ـ القروي : همم .. الكثير من الزوار يأتي لقريتنا وبعضهم يقيم فيها ..قريتنا أصبحت مدينة خلال سنوات معدودة وذلك للتطورالكبيرفي وسائل النقل والاتصالات .. مارأيك لو تكون ضيفي هذا اليوم ؟
ـ الزائر : لي الشرف لكي أكون ضيفك ؛ لكنني مرتبط بزيارة أحد أقربائي في المدينة المجاورة لحضور مناسبة اجتماعية ..
ـ القروي : ألا تسطيع تأجيل الحضور ؟
ـ الزائر : آسف جداً ليس من المناسب تأجيل الحضور ؛ فهم ينتظرونني لكي أكون أحد المشرفين في هذه المناسبة الاجتماعية الهامة ..
ـ القروي : حسناً إذا كان يوجد لديك متسع من الوقت ؛ مارأيك لو أصطحبك في جولة سريعة في قريتنا .. أضن بأنك ستجد فيها مايسر خاطرك ويبهج نفسك ؟

وبعد أن تم دفع الحساب لصاحب المقهى .. رافق القروي زائره ، وأخذ يريه العديد من الأماكن الجميلة التي تزخر بها قريته التي أصبحت مدينة .. انبهر بها الزائر كثيراً ، وقرر أن يعود في أقرب فرصة ويقيم فيها ؛ عدة أيام ويتفاعل مع أهلها نظراً لما رآه من المناظر الخلابة والدعة والطمأنينة التي أحس بها .. وهكذا مرت الأيام وتم له ما أراد .. وتمضي عليه الأيام في رحابة وسكينة .. يعيشها في القرية مع المقربين إليه منهم ويعود إلى دياره بعد تنقضي الأيام تاركاً مفاتيح بيته مع أحد الذين تعرف عليهم ولنقل مع أول شخص قابله .. واستأنس بما لا قاه من بعض أهلها من حفاوة وتكريم وإشادة وإطراء إلى درجة أنه أحس بأن له قيمة وأهمية في وسطهم ، فانبرى يتكلم بلهجة الخطيب حين يجتمع بهم .. يناقش ذاك ويعطي الحكمة لذك ويتفلسف لذاك .. وأينما يذهب يشعر بأهمية بالغة ..وعندما يسمع إطراءً من أحد منهم يصدقه ويعتقد في قرارة نفسه بأنه هو حكيم زمانه !! وأن هؤلاء الذين يستمعون له بحاجة إلى كلامه ورأيه ومصطلحاته !! .. هكذا أخذت به الأحلام إلى البعيد ..تداعب خياله .. حتى أنه فكر في ترشيح نفسه لانتخابات القرية بعد شهور قليلة قضاها معهم .. فهو يحس أنه من أهل القرية وواحد من أفرادها لذا من حقه أن ينتخب ! ..وبعد أن رشح نفسه لهذه الانتخابات وتفاعل مع أهل هذه القرية ..لم ترى النوم عينيه ، ولم يغمض له جفن ( كما يقولون )
يتقلب على الفراش يفكر طويلاً في نتائج هذه الانتخابات والأصوات التي ستحسب له ..النتيجة حتمية هو الفائز بالتأكيد هكذا كان يحلم!! .. بأنه هو الفائز ومن غيره ! وعند صباح اليوم الذي تظهر فيه هذه الانتخابات الخاصة بزعامة القرية في أمور تخص أهلها .. كان أول الحضور لمعرفة النتيجة وابتسامة ثقة ترتسم على محياه ووجنتيه ، وهكذا بدأت النتائج تظهر وبدأ الإعلان عنها قال الرئيس المشرف عليها : الفائز بهذه الانتخابات هو ......من؟! ..... هيا قل .... من ؟! ... أسرع ... إنه .. لم تظهر النائج بعد لأن هناك متعادلين كثيرين من المتنافسين !! لذلك سنعيد فرز الأصوات من جديد!!..وأقل أصوات حصل عليها المنافس الجديد الذي رشح نفسه لهذه الانتخابات( إنه زائر القرية نفسه هو من حصل على أقل الأصوات في هذه الانتخابات ).. وهكذا لم يحصل الزائرالذي سردناه في هذه القصة إلا على أقل الاصوات !! .. فابتسم إبتسامة رضى ، وعاد إلى بيته الذي بناه في القرية ولملم أغراضه وقال .. يبدو أنني نسيت نفسي حقاً أنا لست من أهل القرية في حقيقة الأمر كنت ماراً بها وعندما أعجبتني قررت أن أمكث فيها قليلاً وعندما وجدت من بعض أشخاصها الحفاوة والكرم والانصات لأقوالي أعتقدت ـ خطاْ ـ أنني حكيم الزمان ، وأنهم بحاجة إلى من يحكمهم ويعطيهم الإرشادات والنصائح ؛ فانبريت لهم لأكون هو ذلك الشخص الذي ينتظرونه ! .. ومن أنا ؟ واعتقدت أنني سأحصل على جميع الأصوات في الانتخابات رغم أنني لم أمكث هنا إلا شهوراً قليلة .. يال الحمق الذي تصرفت على أساسه .. ، وقال في نفسه لن أبيع البيت الذي بنيته هنا قد أعود أو لا أعود .. من يهتم ؟! .. ومن يبالي برحيلي أو بعودتي؟! .. والدليل هذه الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات إنها خير دليل .. فأهل القرية يوجد زعيمهم وفلاسفتهم وجحابذتهم وشيوخهم وأعيانهم أما أنا فمجرد زائر عابر قررت أن أقضي بعض الأيام فيها لم يكن هدفي الأول إلا زيارة القرية والتمتع بمناظرها وفيافيها ؛ مالي أنا والزعامة فيها فالأتركها لأهلها خيراً لي ؛ وإذا عدت من جديد عاجلاً أم آجلاً فلن يكون هدفي أن أكون زعيماً فيها أبداً .. سيكون هدفي هو الهدف الأصلي السابق .. وهكذا جمع أغراضه من البيت وانصرف .. وقد يعود أو لا يعود .........من يهتم ؟!

سعدت بالمشاركة وطيب الله أوقاتكم باليمن والخير والبركات.. مع السلامة وفي أمان الله )

متالق على طول
ابو ياسين