الشهيد سعد إدريس حلاوة ابن قرية أحهور مركز طوخ محافظة القليوبية الذى رفض تلويث هواء مصر بعلم السفارة الإسرائيلية
فى
26 فبراير 1980 يوم الصدمة الكبرى فى تاريخ مصر المعاصر .. ألبسوا العدو ثياب الصديق و تبادل السادات وألياهو بن اليسار أول سفير للعدو بالقاهرة أوراق الأعتماد والأبتسامات بينما مصر غارقة فى الحزن الدفين والصمت الكبير ..
حدث وحيد عبر عن الرفض الوطنى لتلويث هواء مصر بعلم الدولة الصهيونية ، فقد أعتصم سعد إدريس حلاوة بالمجلس المحلى لقرية أجهور وطلب طرد السفير الإسرائيلى ، حاصروا سعد ووصفوه بالمجنون و أطلقوا عليه الرصاص فصعد الشهيد عاليا مؤكدا أن مصر لا ترفع راية الأستسلام البيضاء و مفتتحا لمعارك المقاومة الوطنية المتصلة ضد التطبيع و كاشفا دلالة الراية السوداء فوق سفارة العدو على شاطىء الجيزة التى تشير لمخاطر غرق مصر فى فيضان المذلة .. ولا أجد كلمات أو أحاسيس تعبر عن عشقى لهذا الرجل سوى أن أعيد عليكم ما كتبه نزار قبانى عن بطولة هذا الرجل فيقول تحت عنوان
" صديقى المجنون سعد حلاوة "
مجنون واحد
مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم ، العاطلة عن العمل .. فأستحق العلامة الكاملة.. فى حين أخذنا كلنا صفرا.. مجنون واحد تفوق علينا جميعا و أستحق مرتبة الشرف فى ممارسة الثورة التطبيقية فى حين بقينا نحن فى نطاق التجريد والتنظير .. هذا المجنون العظيم أسمه سعد إدريس حلاوة .. وعلاماته الفارقة مجنون .. حسب آخر تخطيط دماغ أجرى له فى مستشفى أنور السادات للأمراض العصبية أما بالنسبة لنا ؟ نحن أهل الجنون فإن سعد إدريس حلاوة . كان مصريا مثقفا ، ومتوازناً ، وهادىء الطباع ، نال شهادة البكالوريوس فى الهندسة الزراعية وربط قدره بتراب مصر ، وبالنسبة لتاريخ المقاومة المصرية فإن سعد إدريس حلاوة هو أول مجنون عربى لم يحتمل رأسه رؤية السفير الإسرائيلى يركب عربة تجرها الخيول إلى قصر عابدين فى القاهرة و يقدم أوراق أعتماده إلى رئيس جمهورية مصر . فأخد مدفعا رشاشاً و أتجه إلى قاعة المجلس البلدى فى قرية أجهور فى محافظة القليوبية وأحتجز سبعة رهائن مطالباً من خلال مكبر الصوت الذى حمله معه بطرد السفير الإسرائيلى لقاء الإفراج عن رهائنه ، هذا هو مجنون مصر أو مجنون الورد .. التى تناقلت وكالات الأنباء قصته بأهتمام كبير فى حين قرأ العرب قصته كما يقرأون قبل النوم قصة مجنون ليلى .. وأنا شخصيا ـ وأنا أيضا ـ أحب المجانين وأعتبر نفسى عضوا طبيعيا ً فى حركتهم و أعتبرهم أشجع وأصدق حزب سياسى يمكن أن ينضم إليه الأنسان العربى .. سعد حلاوة كان الأصدق و الأصفى و الأنقى فهو لم يقتنع بأسلوب المقاومة العربية و بيانات جبهة الصمود والتحدى .. فقرر أن يتصدى على طريقته الخاصة ويخترع مقاومته ، إذا كان سعد حلاوة مجنونا فيجب أن نستحى من عقولنا وإذا كان متخلفا عقليا فيجب أن نشك فى ذكائنا .. هو قاوم أفتتاح السفارة الإسرائيلية فى القاهرة على طريقته الخاصة فقاتل وقتل .. فى حين نحن لم نقاتل و لم نقتل .. كل ما فعلناه أننا حملنا ميكروفناتنا .. وبدأنا البث المباشر .. أذعنا أسطوانة أخى جاوز الظالمون المدى وبكينا .. وأستبكينا و فرطنا كل دواوين شعراء الأرض المحتلة .. ورقة ورقة .. هددنا برفع مليون علم فلسطينى لقاء رفع علم إسرائيلى واحد .. أخرجنا من المخازن لافتات نحتفظ بها من أيام وعد بلفور .. ومشينا فى مسيرات أشترك فيها كل الأموات الذين عاصروا الحاج أمين الحسينى وفوزى القاوقجى وأخرجنا من أرشيف الإذاعة كل المونولوجات والطقاطيق والإستكشات السياسية التى نخزنها فى مؤنة البيت وكل الخطابات الحماسية أبتداء من خطابات ميرايور وروبسير و الحجاج بن يوسف الثقافى .. إلى خطابات أدولف هتلر من إذاعة برلين .. وعندما دخل السفير الإسرائيلى ألياهو بن اليسار إلى قاعة العرش وقدم أوراق أعتماده سفيرا فوق العادة و مطلق الصلاحية إلى الملك محمد أنور بن فاروق بن فؤاد بن السادات توقفنا عن إذاعة القرآن الكريم و نصبنا الصلوات و بدأنا نستقبل المعزين .. سعد إدريس حلاوة هو مجنون مصر الجميل الذى كان أجمل منا جميعا و أجمل ما به أنه أطلق الرصاص على العقل العربى الذى يقف فى بلكونة اللامبالاة فى يوم 26 فبراير 1980 ويتفرج على موكب السفير .. و لكن العقل العربى لا يصاب .. فهو عقل مصفح ضد الرصاص و ضد المعارضة وضد الأحتجاج و ضد النابالم وضد القنابل المسيلة للدموع .. العقل العربى عقل متفرج وأستعراضى و كرنفالى لذلك كان لابد من ولادة مجنون يطلق الرصاص على اللاعبين والمتفرجين جميعا فى مسرح السياسة العربية .. ومن هنا أهمية سعد حلاوة فقد أرسله القدر ليقول جملة واحدة فقط ويموت بعدها : هذه ليست مصر .. هذه ليست مصر .. و القصة أنتهت كما تنتهى قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم و يعزبهم ضميرهم أكثر من اللازم .. أطلقوا النار على مجنون الورد حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين .. فالجنون يتكلم لغة غير لغة النظام لذلك يقتله النظام ..
من هو سعد حلاوة ؟
جمجمة مصرية كانت بحجم الكبرياء وحجم الكرة الأرضية .. أنه خنجر سليمان الحلبى المسافر فى رئتى الجنرال كليبر ..
هو كلام مصر الممنوعة من الكلام ..
و صحافة مصر التى لا تصدر
و كتاب مصر الذين لا يكتبون
وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون
ودموع مصر الممنوعة من الإنحدار
و أحزانها الممنوعة من الأنفجار
سعد حلاوة .. حسب النشرة الطبية الصادرة عن مستشفى القصر العينى فى القاهرة رجل متخلف عقليا .. أى متخلف عن اللحاق بحركة التطبيع و مفاوضات الحكم الذاتى و أتفاقيات كامب ديفيد وما يعتبره فى علم الطب تخلفا قد يعتبر فى علم السياسة تقدما وما يعتبره أنور السادات غباء أو رذالة أو قرفا يعتبره الفكر العربى ذكاءً وفكراً لقاحاً .. وهذه هى مشكلة سعد حلاوة فهو عندما حاصر المجلس البلدى فى أجهور لم يحاصر مبنى بقدر ما حاصر أتجاها و مخططاً وعندما أطلق النار على قوى الأمن التى هاجمته لم يكن فى نيته أن يقتل شخصاً بعينه .. إنما كانت نيته أن يقتل فكرة أو على وجه التحديد فكرة مصر الإسرائيلية .. إن سعد حلاوة لا يمثل بحركته إنطفاء الذاكرة المصرية بقدر ما يمثل توهجها وأشتعالها لا يمثل غياب ضمير مصر بقدر حضوره على أكمل ما يكون الحضور وسعد حلاوة يمثل بحركته العضوية إنتصار مستشفى العباسية للأمراض العقلية على مستشفى قصر عابدين .. أبتداء من الباش دكتور إلى التمرجى الصغير .. إن حلاوة سعد حلاوة أنستنا مرارة ألياهو بن اليسار ورشاش بورسعيد الذى أستعمله فى معركته.. فكرنا بأشرف المعارك وأشرف الرجال .. ربما كانت القاهرة تبدو للناظرين سماء الصفيح الأزرق و ربما كان نيلها يرقد تحت شمس الشتاء كتمساح نيلى يتعاطى المخدرات و ربما كانت الوطنية المصرية تسافر فى أجازات طويلة بحثا عن لقمة العيش و ربما ظن أنور السادات أن زرع سفارة إسرائيلية فى القاهرة مثل ذرع قلب قرد فى جسد إنسان .. ولكن الصورة الخارجية لمصر تختلف كثيرا عن تخطيط قلبها .. فلا تماسيح مصر ستبقى مطيعة منسلطة ولا جسد مصر سيقبل قلب قرد إسرائيلى فيه
و يبقى لنا كلمتان ..
الأولى إلى كل حر يعشق المقاومة الحرة :
أناشد كل من يعشق هذا الوطن الرابض داخل قلوبنا أن يسطر بقلمه وبقلبه وبفكره هذا التاريخ يوم 26 فبراير 1980 ميلاد السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ولا ينسى أبداً هذا البطل الشهيد سعد إدريس حلاوة أول شهداء مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيونى و أرجو أن يتحقق هدفى و أن يكتب كل من يقرأ هذا الموضوع تاريخ أستشهاد سعد حلاوة بحروف من ذهب داخل ذاكرته الشخصية لأن ذاكرة الوطن أصبحت مشوشة ..
الكلمة الثانية إلى القائمين ـ النائمين ـ على أمننا القومى : حينما يشتد الريح و يعلو الموج ، فأمان السفينة فى العمق ، إنها إن أقتربت من الشاطىء ضربتها الأمواج على صخوره فتتكسر و تتحطم ، أما فى العمق فهى كلها أمواج فى أمواج ، إذا ضربها موج تلقاها موج آخر و حملها .. وعندما تعصف الريح ويثور الموج فالأمان فى العمق " تلك حكمة يعرفها جيداً كل ربان حقيقى فهل نحن واعيين للعمق الأسترتيجيى لنا فهناك على بعد 200 كيلو متر توجد دولة عنصرية تمتلك السلاح النووى و خاضت ضدنا أربع حروب فى نصف قرن فقط ..فهل فلسطين ذات أهمية لأمننا القومى ؟ وهل إصلاح الذاكرة المشوشة للوطن ذات أهمية لأمننا القومى ؟؟؟؟